كان وكان

بقى لى يومين مشغولة بلا شئ.. أو بشئ لا يذكر حقيقة. يعنى عشان أصدقائى –الأعزاء- قررت أعمل قاعدة بيانات للكتب التى تزخر بها مكتبتى الصغيرة، لسهولة تبادل الكتب فيما بينا. وبدأت فعلاً أول إمبارح فى هذه القاعدة –متفهامونيش غلط، أنا أقصد قاعدة بيانات!-. ولأول مرة أصعق من كمية الكتب.

طول عمرى بشكو من إن كتبى إفترشت الأرض بعد ما ضاقت من زحام غيرها عليها. وأكيد أى حد منكم سمع صوت والدتى –لو فات من عند بيتنا الكريم- وهى بتزعق لى بسبب الكركبة الفزيعة اللى أصابت بيتنا- الكريم لسا-. والفكرة أنا مش عارفة ليه جبت كل الكتب دى، مع إن طول فترة إشتراكى بالمكتبة تقريباً لم أقرأ أى كتاب إشتريته لنفسى. أكيد يعنى للتنوع الرهيب فى أرفف المكتبات، فأتجنن وأحاول أستنزف كل ما تطوله يدى طول فترة الأجازة.. وأهمل كتبى العزيزة.

ومعرفش الهاجس اللى أصاب فكرى فجأة –أو للدقة من سنة بالضبط- فبدأت أعسس عن كتب لأسماء كتاب كنت أراهم ع الرف وأرهبهم. منهم مثلا نجيب محفوظ. عمرى ما جربت أقرأ له إلا رواية غلبانة من باب الفضول ولم أكرر المحاولة لسبب أجهله حتى هذه اللحظة. وغيره كمان يوسف إدريس..
واللى حصل إن فجأة بدأت أشترى كتب جديدة ليهم لأزيد المأساة فى بيتنا –ما قلنا الكريم-..

ولكن الأهم اللى إكتشفته إن تقريباً -رغم حداثة إنتقالى للعربية- معظم الكتب اللى إشتريتها بالعربية ولكن معظم ما قرأته بالإنجليزية! والأغلب من العربية ح تلاقيه من إصدارات مكتبة الأسرة أو مكتبة مصر.. والباقى تأكد إنه من صور الأزبكية وغالبا اللى بيفتح فترة معرض الكتب بأرض المعارض. إتعودت كل سنة أتفق مع أصدقائى –الأعزاء- ونروح المعرض ونترك كل القاعات والساحات ونتجه بلا وعى إلى ما يسمى بصور الأزبكية هناك. نبدأ من حوالى العاشرة صباحاً ونخرج متفحمى الوجوه و معفرى الملابس وأبيضى الجيوب ع الساعة خامسة كدة. ونعيش باقى السنة على تبادل الكتب ودى ما بينا، أو اللى بنشريه بعدها من مكتبات مختلفة، والأخير دة إحتمال ضعيف لأننا بنأقلم نفسنا من أولها على إنه لارجعة. ح نشترى إحتيجنا السنوى يعنى ح نشترى.
وكما هى العادة برضو، نرجع بيتنا محملين بما لذ وطاب، ويبدأ الصوت اياه –اللى قلتلكم عليه فوق- فى العلو والعلو والعلو. فاهرب لأوضتى وأقفل الباب عليا وأضئ الأباجورة وأدعبس فى كنزى الجديد.

الحق أقول أنا مش من النوع اللى يبدى رأى صائب فى الكتاب من بصه ع الغلاف. يعنى مليش فى موضوع متابعة الكُتّاب و مليش كمان نوع كتب مفضلة. يعنى ماشية كدة ع بساط الكريم.. أفتش عن أى حاجة ألاقيها قدامى وتشدنى لسبب أعلمه أو لاء . والشئ الوحيد اللى عمرى ما ندمت عليه فى حياتى: هو كتاب جبته وطلع دون المستوى أو ملوش مستوى أصلاً .

وبين الكتب يمين وشمال، وفوق السرير وتحت المكتب لاقيت بالصدفة كتاب حبيته عمر بحاله "حكايات وأساطير". كنت كل ليلة قبل ما أنام أطلب من والدتى –بصوت ناعم المرة دى- تحكى لى حكاية من كتابى.. وتحكى.. وأحلم أنا أحلام ملونة. بالأميرة ست الحسن والجمال.. والشاطر حسن.. التعلب المكار والأسد والفار.. الأقزام السبعة والطائر المسحور..
وقتها دى كانت مكافأتى لما والدتى تنبسط منى.. وتكون هى برضو سبب همى لو قررت فى يوم أنام من غير حكاية. وأحلم بكوابيس بشوفها دلوقتى..

مسكت الكتاب وفتحته.. وإندهشت لما لقيت شخبطتى وعلامات كنت بعلمها ع الكلمات الجديدة.. وشفت محولات لتقليد رسمات كتابى ع الهامش... يااااه.. لسا عندى العادة دى لحاد دلوقتى تلاقيها فى كل كتبى وكشاكيل محاضراتى. قعدت مربعة وضهرى مسنود للسرير وبدأت الرحلة من جديد....


سلاماتى يا ضفاضعى المسحورة