هل أخاف الموت؟ بالطبع. ومن لا يخافه؟ أسأل نفسى كيف سيباغتنى: فى الواحة برصاصة؟ أو كموت عادى بعد مرض قصير أو طويل؟ فى حادثة عابرة؟ باختناق فى الحمام أو تسمم من طعام؟ هل يأتى بدون أيه مقدمات على الاطلاق؟ مئات الأشكال تختبئ فى زوايا مظلمة من الطريق لتنقض مرة واحدة هى نفسها النهاية.
أتعمد كثيراً أن أنسى فى هذه الرحلة أمى. أراها فى انتظارى فى تلك الليلة عند عودتى الى البيت. تجلس على مقعدها الكبير الى جوار السرير، بينما ترقد الخادمة على الأرض مستغرقة فى النوم. كنت أعرف أن أمى لا تنام قبل أن تطمئن الى عودتى وقبل أن تسألنى سؤالها التقليدى ان كان أخى سليمان قد كتب رسالة من الشام. فى الغالب لا تكون هناك أية رسالة ولكنى أطمئنها بأنى سمعت أنه هو وأولاده بخير. قبّلت كالعادة رأسها ويدها وسألتها ان كانت بحاجة الى شئ. طلبت كوباً من الماء لأن قلبها لم يطاوعها أن توقظ الخادمة. وقبل أن أصل الى باب الغرفة نبهتنى "من القلة البنى"، ثم لاحقتنى "وفى الكوب النحاس".
ذهبت الى الصالة حيث تضع القلل. فى صينية على إفريز الشباك البحرى، ورفعت القلة الى تبخّرها دائماً بالمستكة وتغطيها بمفرش رقيق مخرّم والتى يبرد فيها الماء بالفعل أكثر من غيرها. صببت الماء فى الكوب النحاسى المزخرف بفروع نباتات ملونة ورجعت الى الغرفة وفى نيتى أن أداعبها عن هذا الكوب الذى لا تشرب الا منه لان أبى أهداه لها ذات يوم. مرة دقيقة واحدة أو دقيقتان مع هذه الأشياء، وعندما فتحت الباب والكوب فى يدى، رأيت رأسها يميل على صدرها. اقتربت منادياً فلم تجيبنى واكتشفت أنها انتهت.
من رواية "واحة الغروب"
للرائع دائما "بهاء طاهر"
عن "روايات الهلال" لشهر نوفبر 2006
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق