مش برضو كدة؟

تنزل فى المحطة، وقبل ما رجلك تلمس الأرض تقول له من غير ما تلتفت وراك : "متشكر.. سلامو عليكم".. ولجل حظك يطلع سواق ابن حلال ويرد عليك السلام.. ترتب اوراقك وشنطتك اللى فى ايديك، وتبدأ مشى.
فى ايام كدة تلاقى الشارع اللى هو الشارع بتاعك طول فجأة، وكانه مش بتاعك اللى متعود عليه من ايام ما كنت "مقزعر" قد كدة. الا لو كان بختك زى بختى، وكان الشارع اللى عشت فيه وانت "مقزعر"، مش هو نفس الشارع اللى انت عايش فيه دلوقتى. وبدل ما تحس فى ايام ان الشارع طول فجأة، ح تحس الشارع كل يوم لسا مش بتاعك ، حتى انك ح تصحى فى يوم الصبح وتبقى مش مستغرب اى حاجة جديدة تحصل على الشارع.. وتستغرب ليه وانت مستغربه اصلا!

الشمس تبقى قربت "تنعس" وانت لسا ماشى.. صوت ترماى جاى من بعيد، على ميكروباص "رمسيس رمسيس رمسيس".. كلاكسات عربيات واوتوبيسات.. عيال من المعاهد المجاورة بيلعبوا صلح فى الجنينة العامة... شباب مش لاقى حاجة يعملها غير اكل الفول على العربيات.. بنات ماشية تتمخطر بلبس ع الموضة محزق وملزق.. وعساكر متنحة!.. يمين شمال.. شمال ويمين.. ناس رايحة وناس جاية.. وناس واقفة وناس نايمة.. يووه.. عالم ماله أول عن آخر..
وحتى انت نفسك لو شفت نفسك من منظار طائر، ح تلاقيك بالعين المجردة، مجرد واحد ماشى.. واحد بس ماشى وسط باقى العالم اللى ماله اول عن آخر..
مش معلومة جديدة ولا حاجة..

فى طريق الشارع اللى هو الشارع بتاعك اللى طول فجأة.. مش ح تلاحظ ان الربيع بدأ يدخل، والازهار بدئت تنور الا لما تتكعبل فى الشجر المقصقص فى كل مكان. وحتى دى.. ممكن معلوماتك الزراعية ماتسعدكش انك تفهم بنفسك "يعنى ايه حد يقصقص الزرع ع قرب الربيع".. بس "قشطة".. ح تفضل ماشى.. لحد مايلوح لك شكل العمارة من بعيد... وتلاقى احساس شديد يغرى بالملل انقض عليك!
أصلك لسا قدامك كام خطوة لحد هناك.. وقد تسلم ع البواب، وقد تقرر انك ماتدلوش وش.. ولسا.. ح تطلع السلم.. وتدور على المفتاح اللى مش فاكر هو فى جيب الجاكتة ولا فى الشنطة.. وتلاقى شوشو دخل يوسوس لك "هب يا بوب! نسيت المفتاح فى الشقة!"... ترن الجرس.. وترن تانى... المدام فى المطبخ مش فاضية و العيال لسا ما رجعوش م المدرسة.. او.. لا لا لا.. خلينا نقول حدوتة الطف من كدة.. بابا وماما لسا ما رجعوش من الشغل.. لاء برضو.. همم.. النور كان قاطع ومحدش سمع جرس الباب... او.. ممكن اخوك كان نايم نوم أهل الكهف، او بيغلس ومش معبرك.. او حتى ماتظلموش ممكن يطلع فى الحمام.. او تطلع انت ناسى انك اساسا مالكش اخوات!..

عدى الشوت..

ربنا كرمك ودخلت م الباب.. اول شئ ح تفكر فيه يا تلاجة، يا السرير.. والأغلب لو انت رجل فعلا يبقى ح تفكر فى السرير.. تدخل أوضتك، وعقبال ما تغير هدومك تكون نسيت النوم.. فتروح تشوف "ام بى سى أكشن".. ولو ماعندكش دش، ح تدخل على الانترنت... يا ماتلاقيش حاجة تعملها وتفكر تنام!

تصحى م النوم وتبقى عايز تنزل الشارع اللى هو الشارع بتاعك اللى طول فجأة النهاردة عشان صاحبك مستنيك تروحوا الدرس سوا.. لاء.. مش درس.. امم.. تروحوا السينما... بس لاء.. مافيش افلام حلوة اليومين دول وفلوسك ماتكفيش تذكرة مسرح.. والاوبرا مالكش فيها.. والنادى زهقت منه.. وابوك مش موافق على حفلة SOS الجديدة.. و...
لاء.. ستوب.. نرجع حبة ورا كدة..
انت اصلا قررت ما تنزلش لصاحبك.. بعت له SMS.. وقلت "نأسف.. فقد ألم بى وعكة صحية مفجعة".. خمس دقائق كدة.. وتلاقى نفسك مع نفسك بتلبس... أممم.. نازل تتمشى وتشم هوا..
ومع اننا اتفقنا ان معندكش اخوات.. بس أختك ح تطلب منك تجيب لها حاجة وانت جاى.. فتتنرفز وتنزل ترزع الباب وراك "كل يوم هات حاجة معاك.. كل يوم بطاطس بطاطس!".. ولا لاء برضو.. خلينا نقول انك طيب وح توافق لأنه "مجبرٌ أخاك لا بطل"...

تنزل تتمشى.. وتتمشى... تعدى محلات وبيوت وأكشاك.. وشجر مقصوص و فتارين قصص.. وشوارع حكايات.. وحكايات على الشبابيك.. حكاية بتبدأ وتانية بتنتهى.. حكاية بتحكيها.. وحكاية بتتحكى لك.. حكاية بتكتبها.. وحكاية بتتكتب لك..
وتمسك نفسك بتسال نفسك.."وانت فين من الحكايات دى كلها..؟"
ترجع لمنظار الطائر بفلاش باك على زووم سريع من بعيد عليك.. تلاقى انك انت نفسك اللى كنت ماشى وقت ما الشمس كانت قربت "تنعس".. فى نفس الشارع اللى من حبة طول فجأة.. وانت نفسك اللى شوية ورايح تجيب حاجة لاختك مع اننا قلنا ان مالكش اخوات.. وانت اللى راح تصحى بكرة عشان المحاضرة.. ولاء لاء.. انت اللى ح تروح توصل الاولاد المدرسة.. والمدام عند ماما فى حالة ما ان حماتك لسا عايشة.. بس ازاى وانت ماعندكش عربية؟.. طب آخد رأيك.. أعيد الحدوتة تانى وانت بعربية؟ ولا أخليك سارح فى براح الدنيا على اتوبيس من غير عربية؟؟ تحب تبقى زى افلام زمان لابس نضارة قعر كباية وماسك فى ايدك بطيخة؟ ولا تبقى شاب مروش لابس جزمة Active وفى ايده سماعة موبيل؟ ولا استنى.. بلاش دى او دى.. انا ممكن احكى الحدوتة تانى مش عليك.. المرة دى عليا.. اقول لك انا اللى نزلت فى المحطة.. وانا اللى سلمت على السواق اللى طلع ابن حلال ورد عليا.. وانا اللى كنت ماشية فى الشارع بتاعى اللى هو مش بتاعى من ايام ما كنت "مقزعرة"، والنهاردة طول فجأة..

بس الحدوتة كدة لا ح تبقى حلوة ولا ملتوتة.. ح تفضل بس حدوتة.. بتتشايف وتتعاش وتتحس.. ولا هى مش برضو كدة؟