الجمعة، مارس 03، 2006

يمكن.. تتغير

عن يمينى يقف من يحمل حقية كبيرة تسد الطرقة الضيقة فلا ارى غير جزء هين من ظهره فى تجاهى؛ وعن شمالى رجل ضخم الجثة يغط فى نوم عميق؛ وأنا ( محشورة ) بينهما. اخرجت كتاباً صغيراً "الباذنجانة الزرقاء" (*) وعبثا حاولت أقرأ. ارى لوحات تتحرك مسرعة من خلف النوافذ الزجاجة، وجارى يتمايل مع رجرجات الحافلة بانتظام.. فاحاول التشبث بمقعدى اكثر فأكثر..

" لازم تبدئى تنفتحى.. انطلقى للخلق.. يعرفوكى وتعرفيهم.."

كان يوما عجيبا بعض الشئ.. حاولت جاهدة ان اظهر فى مظهر جدى.. ولكن ابتسامتى علت وجهى طوال الوقت، ثم انفجرت فى نوبة ضحكات تورم لها ثغرى وأنا ( أعافر ) لرسم ( وش خشب ) على ملامحى.
"سأتغير".. قلتها ببساطة ولم أكن أعى معناها. "سأتغير".. قلتها ثم بدأت فى فك طلاسم المعادلة. كى اصبح ما اريد ان اكون عليه، عليا اولا االتنازل ثم التأقلم مع الــ "أنا" الجديدة. سأراها يوما ما وقد نسيت من كانت سابقا. سأنظر يوما فى المرآه ولا أعرف من تكون، أهى "أنا" حقيقة، جسدا.. روحا وعقيدة.. أم أنها "انا" ملحقة لظلى، أقولها فلا اعرف عمن اشير؟

"لازم تتغيرى لو نفسك تشتغلى شغلتنا.. دققى ودورى عشان تتعلمى"

لكنى أحب الــ "أنا" الحالية هكذا.. حتى فى أقسى درجات عنادى لها.. ما عنادى الا دليلا على رغبتى فى العلو بمكانها فى قلبى.. ليس الا..
احب خجلها المرسوم على وجهها كلما رأت من لا تعرفه.. سكناتها ولفتاتها البريئة غير عابئة بهمسات الآخرين.. أحب جموح فكرها الموحش فى مجاهل غير محدد الهوية.. أعجب بقلبها، *كميدان التحرير* يساع العالم بأسره.. واكثر ما احب فيها طموحها ورغبتها الحقيقة فى ان تعاند ظروفها وتتغير!

أقف وأستعد للنزول من الحافلة واذا بذاك الذى كان عن يمينى يسرع بالهجوم كى يلحق بمقعدى فيوقظ النائم عن شمالى.. ألتفت لحظة ثم اظهر ابتسامة باهتة... منذ لحظات قليلة كنت أجلس على ذلك المقعد وعن يمينى ذلك الرجل بحقيبته الكبيرة، فلا أرى غير جزء هين من ظهره فى تجاهى، وعن شمالى كان جارى يغط فى نوم عميق وهو يتمايل مع رجرجات الحافلة.. و اللوحات خارج النوافذ الزجاجية تتحرك مسرعة.. لكنى الآن واقفة، وسأهم بخطوات معدودة للنزول عما قليل.. سأمشى فى الشارع الضيق تجاه منزلى الكائن فى آخره، وسأتوه بين الأجساد المتلاحمة، وصريخ العربات الشاردة.. سيتغير زمانى والمكان... ولربما عدت فنظرت مرة ثانية للحافلة وهى تختفى على أفق نظرى وأنا أتمتم فى قرف "مجنون ذلك العالم، اراد أم لم يرد، دوام حاله من المحال... و "أنا" كذلك.. ستتغير"

سلاماتى


------------
(*) رواية لميرال الطحاوى

هناك 8 تعليقات:

الست نعامة يقول...

لما باكون عايزة ألبس الوش الخشب ده وهاموت واضحك، باقول بصوت عالي مش هاضحك، أروح مبلمة على طول :-)

Aladdin يقول...

تدوينة ثرية يا بلو! لم أقرأ منذ فترة طويلة نصاً بهذا الثراء والعمق مش عارف حسيت بتداخل "نص" الطحاوي و"نصك" أنت ... رحلة القطار تتداخل مع رحلة الحياة .. رجرجة الرجل النائم داخل العربة لعلها أحداث الحياة التي ترجرجك شخصياً! "الوش الخشب" هلعله أيضاً ذلك "القناع" الذي ترتدينه أمام الناس لإخفاء "صراخ" و"شرود" ما تحسينه ("صراخ العربات الشاردة").

معلش يا بلو هي محاولة لقراءة هذه التدوينة التي أمتعتني بجد. أرجو أن أكون وفقت وآسف المهنة حكمت تعرفين أنني متخصص في النقد الأدبي!!

Lasto-adri *Blue* يقول...

علاء... انت خلتنى اعيد نظر فى اللى كتبته تانى..
تعليقك هو الممتع عن جد
لذلك سأترك لك حرية التخيل... وتكوين المعانى على حسب ما حسيتها انت

:) :) :)

هو بس فى تعليق بسيط.. الكلام اللى بالرمادى مش من الرواية.. ولكنه كلام صديق ليا كان بيقنعنى اتغير لنيتى فى انى احل محله السنة اللى جاية ان شاء الله.. فكان بيقول لى عن خلاصة تجربته

متشكرا جدا لرفع معناوياتى يا علاء

Lasto-adri *Blue* يقول...

الست نعامة
والله يا بنتى حاولت..... بس مش قادرة... فى ناس -زى ما بيقول شيريوس- بتقدر تحطم اى وش خشب بحاول احطه على وشى
لول...... مش بقدر قصادهم خالص


شيريوس
نعم عايز ايه!
:P

mzzzza يقول...

عندما اقرأ لك بجد بحس ان الدنيا لسه بخير ممكن اسألك سؤال أسم المقطوعه الموسقيه اللي انت حطاها في المدونه ايه

غير معرف يقول...

بلا وش خشب بلا نيله انتى كده زى الفل
غيرى اللى محتاج يتغير فيكى بس انتى متتغيريش :)

kalam يقول...

القدره على التغيير هى اهم حاجه فى الانسان الناجح
اللى بينجح فعلا
لا الاشطر ولا الاقوى ولا الاذكى ولا الاغنى
بس اللى بيقدر يتغير
محسوبك انغمس فى تجربه التغيير لحد شعر راسه
والحمد لله عدت على خير

بس بجد بجد
حته المزيكا اللى انتى حاطاها ديه فظيعه
رغم انى اساسا ما باحبش المزيكا اللى من غير كلمات
بس دى حلوه اوى

Arabian Princess يقول...

أختي لست

فعلاً تمتلكين لغة سلسة وسهلة .. أحببت هذه القطعة بالفعل ..

تحياتي

الأميرة العربية