لذلك عزيزى القارئ وعزيزتى القارئة، لو فاكرين إن دى تدوينة زى ما متخيلنها منى كل مرة.. يبقى أحسنلكم تقفلوا البلوج وتروحوا حتة تانية.. عشان النهاردة مافيش لا لحمة ولا حاجة ساقعة والكلام بجد..
* * *
فى سنة 2002، للتأريخ الشخصى ليس إلا، جبت 98.8% فى الثانوية العامة. وكنت فاكرة نفسى ساعتها ياما هنا يا ما هناك.. وبالطبع، بما إن طموحى كان ينتهى عند حدود المجموع العالى وفقط، دخلت كلية الهندسة من غير ما أفكر فى أى شئ تانى! مع إنى على ما افتكر كان طموحى فى المرحلة دى أطلع مذيعة فى الراديو.
وخلصت خمس سنين الكلية، وفقدت معاها أشياء جميلة كتير.
الحياة مش بس شهادة جامعية، ولا مادة علمية دخلت إمتحانها ودلقت الكام معلومة اللى حفظتهم عن ظهر قلب. الحياة يعنى "أنا"، ثم "إنت".. ثم "مجموعة تجارب". وكل دا لا يمكن بشتى المقاييس يتوفروا فى ظل نظام تعليمى زى بتاعنا. نظام مبنى اساسا على تقيد الفكر والإبداع وإنماء الشخصية لمواجة العالم سواء فى المنظومة الحياتية العادية تماما، أو حتى العملية..
كلام كبير مش كدة؟!
المهم إنى إتخرجت السنة اللى فاتت، بتقدير عام جيد.. طبعا، الحمد لله على كل شئ، أولا وآخرا. لكن الحقيقة اللى لازم كل حد يعرفها وهو ناوى يدخل الجامعة. التعليم فى مصر بدأ يصبح شوية بشوية "منظومة متكررة للثانوية العامة"...
يعنى الطالب من دول اللى غرق دروس خصوصية فى الثانوية العامة، بيتخرج عشان يدخل الكلية، وهناك يعيد الكرة. طبعا لأنه دخل كلية مش عارف ينجح فيها، بما إنها كلية إختارها له المجتمع عشان برستيج أهله، ولأن –أيضا- فى جهات عمل غبية بتقيم الإنسان على تقديره فى الكلية، وتدى أفضلية لأبو إمتياز عن أبو جيد جدا! وبصراحة عندهم حق فى دى. يعنى عدد مهول زى اللى بيتخرج كل يوم، وممسوخ الشخصية زينا، ممكن أفرقهم إزاى عن بعض سوى بالتقدير اللى ممكن ينم عن شئ من المسؤولية. ورغم كدة، فإن طريقة "أحسن الوحشين" فى نظم الإختيارات الفردية للمتقدمين للوظائف، فاشل جدا... لإن أغلب المتقدمين مش وحشين أبدا.. إنما منتظرين مرحلة الإكتشاف الذاتى تبدأ عشان يبرعوا..
أنا إتخرجت بتقدير جيد، والحمد لله على حبة الشخصية اللى فضلولى، إشتغلت بعد الدراسة على طول. ورغم كل دا حاسة إنى ولا حد أصلا. ولا مميزة ولا بفكر ولا بفهم ولا بحب اللى درسته خمس سنين. ومقتنعة تماما إنى إشتغلت عشان لازم أتشتغل. زى ما هو لازم أتعلم، ولازم أدخل الكلية، ولازم أتفوق ولازم أتجوز وأكون أسرة ولازم ولازم..
الحياة بعد الكلية شئ تانى خالص.. بتبدأ تبان حبة حبة.. وكل ما بندخل فيها أكتر كل ما بتخنقنا أكتر
وبس الشئ الوحيد اللى ممكن يفوقنا من الدوامة دى.. إننا نكون نفسنا بجد..
الواحد بيتخرج من الكلية ويتصدم إنه ولا حاجة.. طبعا أنا مش بتكلم عن فئة قدرت تحقق نجاحات فى الحياة بمجهودها وتعبها وفهمها الصح للحياة.. لكنه بردو مش من فراغ.. فى اللى علمها، أو فهمهم بداية الطريق إزاى..
تخلفوا عن قطيع الخرفان، فسبقوه..
زى مثلا اللى اهلهم سايبنهم يدوسوا فى الحياة بحساب من بدرى، أو اللى دخلوا جامعات زى الجامعة الأمريكية بمصر. ماعرفش إيه نظام الجامعات الخاصة، لكنى متأكدة إنك لو دخلت كلية –بفلوسك- عشان مش قادر تنجح –بمجهودك- يبقى إحنا بنضحك على بعض. ولو مش ناجح من بدايات الطريق، يبقى الأحسن لك تدور على طريق تانى... (طبعا أنا مابتكلمش عن الإستثناءات)..
المرحلة الأصعب من الحياة، بتبدأ بعد الكلية بالظبط. ومش لصدمتك وإنت بتبدأ مرحلة البحث عن عمل وتكوين أسرة. إنما محاولتك للبقاء أصلا. محاولتك لمعرفة نفسك. تعرف إنت مين وبتحب إيه وعايز أيه وايه اللى فى إمكانياتك.. وأخيرا وليس بآخر.. إزاى تبدأ دلوقت. ودلوقت يعنى مش بعد يومين ولا ساعتين.
فيتبقى لك عزيزى أربع إختيارات ما لهم خامس:
1. تنضم لنفس الترس، وتدور على شغل وتكون أسرة وتمشى زى ما إنت عشان تخلف غيرك بنفس تفيكرك... وتجبرهم على كلية الهندسة عشان برستيج أهلك
2. ماتدخلشى الدوامة أصلا، وتفضل بتتكلم يا إما عن أمجاد ماضى مش موجود اساسا، أو تتكلم عن مستقبل ح تبدأه بكره.. والعجيب إن بكرة مابيجيش
3. يا تعرف نفسك..
4. يا تقصر الطريق وتنتحر زى طلاب الثانوية العامة.
كدا أو كدة، لازم نعرف إن نظامنا التعليمى الحالى فاشل وبشهادة كل اللى اتخرجوا منه "فى الفترة دى"... وإن كان هو شئ لا مفر منه بسبب غباء اللى بيفكروا لنا.. يبقى ع الأقل نوحد أسباب الغباء ونبدأ إحنا نفكر بطريقة منطقية..
سواء الأهل يقللوا الضغط على أولادهم ويحاولوا يساعدوهم من بدايتهم على إكتشاف مهارتهم وأحلامهم وحياتهم الخاصة، أو الشركات تبدأ فى مساعدة الطلاب والخريجين على الإحتكاك بالحياة العملية أكتر، مع السماح للعمل لغير الحاصلين على شهادات عالية، زى الدول المتقدمة...
يا إما الحكومة تلحق تلم نفسها وتحكم شعب غيرنا، عشان نحكم نفسنا من جديد على نضافة..
فتكم بعافية... وسلاماتى